نجوم للأكل ونجوم للزينة

ما هو الفارق بين نجومية "يحيى الفخراني" ونجومية "عادل إمام"؟

أتذكر أنني سألت يوماً "يحيى الفخراني" وقلت له: هل تتمنى أن تحقق نجومية عادل إمام؟ كان عادل في تلك السنوات، مطلع التسعينيات ملكاً متوجاً في شباك التذاكر ويحقق أعلى الإيرادات، 7 ملايين جنيه في الفيلم السينمائي، في حين أن الرقم التالي له في الشباك هو 4 ملايين جنيه، وكانت تحقق هذا الرقم "نادية الجندي" أحياناً بالتبادل مع "محمود عبد العزيز"، ولم يكن هناك أي ذكر ليحيى الفخراني في شباك السينما، لكن "الفخراني" كان على المقابل الملك المتوج عند مشاهدي الشاشة الصغيرة.

وجاءت إجابة "الفخراني" على سؤالي: نعم أريد نجومية "عادل إمام" لكن بشروطي، ومن الواضح أن الإجابة استفزت "عادل إمام"، ولهذا أمسك "عادل" بكلمة بشروطي واعتبرها ثغرة ينبغي اختراقها وانهال عليه بالكلمات التي لها مذاق اللكمات في أكثر من حوار متهكماً على الفخراني ومعلقاً أن النجومية ليست لها شروط. الناس هي التي تحدد المواصفات وهي التي تختار من تريده لكي يصبح هو النجم.

انتهت كلمات "عادل إمام" ولا يزال سؤالنا قائماً عن الفارق بين "عادل إمام" النجم السينمائي و "يحيى الفخراني" النجم التليفزيوني؟!

النجومية السينمائية تشبه أسماك الزينة باهظة الثمن غير قابلة للالتهام، النجومية التليفزيونية في متناول اليد قابلة للالتهام ولهذا فإن النجم التليفزيوني عليه أن يقفز في كل مرة على حاجز أعلى في هذا السباق الدائم.

وسر نجومية "الفخراني" هو أنه في كل مرة قادر على أن يمتلك تصفيقنا وإعجابنا ودهشتنا في كل دور جديد حيث يتخطى حاجزاً أعلى، ومن الواضح أن "الفخراني" أدرك مبكراً أن نجاح المسلسل التليفزيوني مرتبط بفترة زمنية حيث يلتهم المشاهدون المسلسل بعد الآخر، ولهذا تتعدد الشخصيات الدرامية التي يقدمها للناس في كل عام هناك دائماً مساحات إبداع خاصة يمسك بها "الفخراني" في كل دور يؤديه، وأيضاً هناك تحد وإصرار وتمرد دائم من "يحيى الفخراني" على يحيى الفخراني!!

نجومية "عادل إمام" السينمائية أخذت الكثير من جرأته في الاختيار فهو يخشى دائماً أن يقدم مغامرة لم يتعودها الجمهور، ولهذا فإن "عادل" ليس لديه في رصيده هذا التنوع رغم أنه يمتلك موهبة منفردة في فن الأداء والتعبير والتقمص، إلا أن خوف "عادل إمام" من شباك التذاكر خصم الكثير من جرأته ووضع أيضاً قيوداً على الممثل "عادل إمام" بسبب النجم "عادل إمام".. الممثل يريد الانطلاق.. النجم يخشى أن يتعارض ذلك مع رغبات الناس!!

لقد كانت هناك محاولات من السينمائيين لكي يجد "الفخراني" على خريطة السينما لنفسه مكاناً مميزاً وقدم الفخراني عدداً من الأفلام الهامة مثل "خرج ولم يعد"، "الكيف"، "للحب قصة أخيرة"، "عودة مواطن"، "أرض الأحلام"، لا تجد عند الفخراني أفلاماً حققت إيرادات مرتفعة باستثناء "الكيف" حيث شاركه البطولة "محمود عبد العزيز"!!

لكن هذه الأفلام على ضآلة عددها اعتبرت من أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية! وفي السنوات الأخيرة ابتعد "الفخراني" عن السينما ولم تشفع له نجومية التليفزيون ولا القاعدة الجماهيرية العريضة التي حققها في البيوت، بل إنني أعتقد أنها لعبت دوراً عكسياً لأن الناس تعودت أن ترى "الفخراني" متاحاً على الشاشة الصغيرة بلا مقابل ومن هنا من الممكن أن نجد تفسيراً للتعثر الذي لاقاه مؤخراً مشروعه السينمائي "محمد علي" رغم أن الاستعداد لإنتاجه استغرق ثلاث سنوات!!

"عادل إمام" أدرك مبكراً أن عليه الابتعاد كلما أمكن عن التليفزيون ولهذا لم يقدم من المسلسلات سوى ثلاثة فقط "الفنان والهندسة"، "أحلام الفتى الطائر"، "دموع في عيون وقحة وذلك طوال خمسين عاماً هي عمر التليفزيون في مصر.. عادل أحاط نجوميته السينمائية بأسوار وحراس.. الفخراني حطم الأسوار ومنح إجازة مفتوحة للحراس!!

إننا أمام زعيمين كل منهما له جاذبية وكاريزما لكن لا الفخراني من الممكن أن يصبح زعيماً سينمائياً ولا عادل إمام من الممكن أن يصبح زعيماً تليفزيونياً.. أسماك الزينة غير قابلة للأكل وأسماك الأكل غير قابلة للزينة.. ولله في خلقه شئون ونجوم!!